تبون يسلط الضوء على الوحدة والنهج الثوري في رسالة الذكرى الـ65 لمظاهرات 11 ديسمبر 1960

 images


الجزائر – 11 ديسمبر 2025


وجّه رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، اليوم رسالة رسمية بمناسبة الذكرى الخامسة والستين لمظاهرات 11 ديسمبر 1960، مؤكداً حرص الشعب الجزائري الموحد على قيادة مسيرة الحاضر واليقظة أمام محاولات إرباك المشروع الوطني. (Sarih)

في الرسالة، وصف الرئيس تبون الشعب بأنه وُلد من رحم التاريخ العريق، موحداً، ومنصهراً دوماً في هوية جزائرية متجذرة في الأرض، حاضنة للتنوع وموحَّدة العقيدة. وذكر أن هذا الشعب تلاحم في جبهة وطنية خلال سنوات المأساة الدامية، وأنه اليوم أشد حرصاً على قيادة الحاضر تجاه التحديات. (Sarih)

مناقشة الرسالة ومضامينها

  • التركيز على الإرث الوطني والثوري:
    شدّد الرئيس على اعتزاز الجزائريين بأصالة الإرث الوطني الثوري، باعتباره مصدر وحدة وقوة ومرجعية جامعة، يستمد منه الشعب قدرته على كشف ما وصفه بحروب المصالح الذكية والدعاية المأجورة التي تستهدف الدولة ومصالحها. (Sarih)
    هذا التوصيف يضع الرسالة في سياق تحذيري من المؤثرات الإقليمية والدولية، مع التذكير بأن الإرث الثوري يوفر وعياً وطنياً عميقاً.

  • تأكيد رمزية مظاهرات 11 ديسمبر 1960:
    أشار الرئيس إلى أن هذه المحطة جسّدت اعتناق الشعب لنداء بيان أول نوفمبر 1954 وإيمانه بتحقيق أهداف الثورة كاملة، معتبراً تلك اللحظات من مسيرة الثورة منعطفاً فاصلاً ترك صدى خارجياً قوياً. (Sarih)
    ويُستفاد من ذلك أن الرسالة لا تكتفي بإحياء ذكرى تاريخية بل تسعى إلى إبراز قيمة الحدث كدرس وعبرة لبناء الدولة المستقلة، مضيفاً أن هذه المحطات التاريخية تتيح التأمل في دروس مسيرة بناء الدولة وما واجهته من صعوبات. (Sarih)

  • دعوة إلى التقدير والجهود المستقبلية:
    رأى الرئيس أن الصعوبات التي مر بها الشعب تشكل دافعاً لتقدير حجم الجهود الواجب بذلها من الجميع لتعزيز المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، والتطلع بوتيرة أسرع إلى الاندماج في مسارات الدول الطامحة إلى مكانة وازنة. (Sarih)
    ثم اختتم بالتأكيد على الوصول القريب، وفق قوله، وفاءً لرسالة الشهداء، مع تحية وتقدير لرفاقهم من المجاهدات والمجاهدين. (Sarih)

خلفية تاريخية مختصرة لتعزيز الفهم

مظاهرات 11 ديسمبر 1960 تعد محطة مهمة في نضال الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي. وفق مصادر بحثية وطنية، أكدت تلك المظاهرات تلاحم الشعب والوقوف وراء مبادئ جبهة التحرير الوطني، كما كشفت عن جرائم الاستعمار أمام الرأي العالمي، وأسفرت عن عدد كبير من الشهداء والجرحى والاعتقالات. وتعتبر رسالة قوية للعالم بأن الثورة الجزائرية ثورة شعبية رافضة للمساومات، مما أجبر القيادة الفرنسية على استئناف المفاوضات مع الجبهة.
هذا التوصيف التاريخي يفسّر pourquoi يركّز الرئيس في رسالته على قيم الوحدة والوعي الوطني، ويستدعي الإرث الثوري كمصدر قوة في مواجهة التحديات المعاصرة.


ما الذي يميّز هذه الرسالة؟

  1. إعادة تأكيد الوحدة الوطنية في زمن تكثر فيه التحديات الإقليمية والدولية، مع ربط الماضي بالمستقبل.

  2. الرؤية التنموية والاجتماعية التي يطرحها الرئيس، إذ لا تقتصر الرسالة على التذكير بالتاريخ، بل تتوجه إلى استكمال مسار التنمية وتعزيز الأداء في مختلف المجالات.

  3. التوازن بين التذكير بالبطولات والتوجيه للمستقبل: من خلال إبراز قيم التضحية والشهادة، ثم الدعوة إلى بذل جهود أكبر لاستكمال المكتسبات.


هذا نص الرسالة:

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى أَشْرَفِ المُرْسَلِينَ،

أيَّتُها المُوَاطِنَاتُ .. أيُّها المُواطِنُون،

في هَذَا اليَوْم مِنَ الأيَّام البَارِزَة في مَسِيرَة النِّضَال الوَطَني وَالكِفَاح المُسَلَّح .. نُحْيِي - بِاعْتِزَاز – الذِّكْرَى الخَامِسَةَ وَالسِّتِّين (65) المُخَلِّدَةَ لِمُظاهرات 11 ديسمبر 1960، المَحَطَّة الّتي جَسَّدَت في الشَّوَارِع وَالسَّاحَات اعْتِنَاقَ الشَّعْب بِرُمَّتِه لِنِدَاء بَيَان أوَّل نُوفمبر 1954 .. وَإيمَانَه بِتَحْقِيق أهْدَاف الثَّوْرَة كَامِلَة غَيْرَ مَنْقُوصَة.

إنَّ الجَماهِير العَارِمَة .. وَالحَنَاجِر الهَاتِفَة .. وَالرَّايَات العَالِيَة وَالزَّغارِيد المُعَبِّرَة خِلال تِلْك المُظاهرَات – كَانَت في تِلْك اللَّحَظات التَّارِيخِيَّة – احْتِفَاءً مُعَبِّرًا عَنْ الرِّبَاط الوَثِيق بِرِجَال وَنِسَاء تَسَابَقُوا منذُ فجرِ الفَاتِح مِن نوفمبر إلى أهْوَال حَرْب التَّحْرِير مُتَدَافِعِين إلى التَّضْحِيَة بِأرْوَاحِهِم، في المُدُن وَالقُرَى وَالمَدَاشِر مِنْ أجْل أنْ تَحْيَا الجَزائر.

وَلَقَد كَانَت تِلْك اللَّحَظَات مِنْ مَسِيرَة الثَّوْرَة مِصْدَاقًا لِمَأْثُورَة الشَّهيد الرَّمْز العربي بن مهيدي ” اُلقُوا بِالثَّوْرَة إلى الشَّارِع يَحْتَضِنْهَا الشَّعْب “، وَمُنْعَرَجًا فَاصِلًا مُؤَثّرًا في الصَّدَى الخَارجي لِثَوْرَة أوْقَفَت الزَّمَن شَاهِدًا على تِلْك الهَبَّة الثَّائِرَة بِمَا تَحْمِل مِنْ مَبَادِئَ سَامِيَةٍ وَأَهْدَافٍ نَبِيلَة.

وَإنَّنَا، وَنَحْن نُحِيط تِلْكَ المَبَادِئ وَالأهْدَاف بِمَا يَلِيق بِجَلالِهَا، التِزَامًا بِالرِّسَالَة الخَالِدَة وَتَكْرِيمًا لِوَدِيعَة الشَّهِيد الرَّمْزِ ديدوش مراد ” إذَا مَا اسْتشْهَدْنَا، فَحَافِظُوا عَلى ذَاكِرَتِنَا ” . نَعْتَزُّ بِأصَالَة إرْثِنَا الثَوْرِي المَجِيد في وِجْدَان كُلّ جزائريَّةٍ وَجزائريٍّ، مَصْدَر وِحْدَة وَقُوَّة الشَّعْب وَمَرْجَعِيَّتِه الجَامِعَة .. إنَّهُ إرْثٌ يَسْتَمِدُّ مِنْهُ الشّعب الجَزَائِري الأبي – في الظُّرُوف الإقلِيمِيَّة وَالدَّولِيَّة الرَّاهِنَة – قُدْرَتَه عَلَى تَبَيُّنِ خُيُوط حُرُوب المَصالِح الذَّكِيَّة المُوَجَّهَة، وَإرْث يَنْبَثِقُ مِنْهُ وَعْيٌّ وَطَنِيٌّ يُدْرِك خَفَايَا الدِّعَايَة المَأْجُورَة بِكُلِّ أصْنَافِهَا وَنَوَايَا المُنْسَاقِين إِلَيهَا مِنَ السَّاعِين لِلْمَسَاس بِالدَّوْلَة وَالإضْرَار بِمَصَالِحِهَا.

إنَّ شَعبًا وُلِدَ مِنْ رَحِم التَّاريخ العَرِيق مُوَحَّدًا .. وَانْصَهَر – على الدَّوَام – في هوِيَّة جَزَائِريَّة، مُتَجَذِّرَة في الأرضِ، حَاضِنَة لِلتَّنَوُّع .. مُوَحَّدَة العَقِيدَة، وَشَعبا تَلاحَم في جَبْهَة وَطَنِيَّة سَنَوَات المَأْسَاة الدَّامِيَة، وَفي كُلِّ المَرَاحِل الصَّعْبَة، أحْرَص مَا يَكُون – اليوم – عَلى قِيَادَة مَسِيرَة الحَاضِرِ يَقِظًا تُجَاه مُحَاوَلات إِرْبَاك مَشْرُوعِه الوَطَني، مُوَجِّهًا البُوصَلَة إلى مُسْتَقْبَل الأجْيَال الَّتي تَرْنُو إلَى العَيْش في بَلَدٍ مصغٕ لآمَال الشَّبَاب .. وَفي جزائر رَاعِيَة لِطُمُوحَاتِه .. وَفي مُجْتَمَع يَحْتَفِي بِمَوَاهِب وَكَفَاَءات بَنَاتِنَا وَأبْنَائِنَا، وَيَسْتَثْمِر قُدُرَاتِهِم في دِينَامِيكِيَّة التَّحَوُّل الحَقِيقِي نَحْوَ تَكْرِيسِ شَوَاهِد وَمَعَالِم التَّنْمِيَة المُسْتَدَامَة في دَاخِل البِلاد، وَتَأكِيد الدَّوْر الفَاعِل وَالمَكانَة المَحْفُوظَة في الخَارِج ..

وَفي الأخِيرِ .. فَإنَّنِي إذْ أقِف مَعَكُم عِنْدَ هَذِه الذِّكْرَى الخَامِسَة وَالسِّتِين لِمُظاهرَات 11 ديسمبر إجْلَالًا لِتَضْحِيَات الشَّعْبِ الجزائري الأبِيِّ، فَإنَّنِي أعْتَبِرُ أنَّ هَذِه الذِّكْرَى وَغَيْرَهَا مِنَ المَحَطَّات التَّاريخِيَّة المَجِيدَة مَدْعَاةٌ للتَّأمُّل في الدُّرُوسِ وَالعِبَرِ المُسْتَخْلَصَة مِنْ مَرَاحِل بِنَاء الدَّوْلَة الوَطنِيَّة المُسْتَقِلَّة بِانْتِصَارَاتِها وَبِمَا اِعْتَرَاهَا مِنَ الصُّعُوبَات في ظُرُوف وَفَتَرَات خَاصَّة، لِتَكُون مُنْطَلَقًا وَمُحَفِّزًا على التَّقْدِيرالسَّلِيم لِحَجْم الجُهُود المُنْتَظَرِ بَذْلُهَا مِنَ الجَمِيع في كُلّ المُسْتَوَيَات وَالمَوَاقِع لاسْتِكْمَال تَعْزِيز المُؤَشِّرَات الاقتِصَادِيَّة وَالاجتِمَاعِيَّة الَّتي حَقَّقَهَا الشَّعْب الجزائري مُنْذُ أنْ أوْلانَا ثِقَتَه، وَالتَّطَلُّع بِوَتِيرَة أسْرَع وَأدَاء أنْجَع للاندِمَاج في مَسَارَات الدُّوَل الطَّامِحَة المُسْتَحِقَّة لِلمَكَانَة الوَازِنَة …

وَإنَّنَا – لا مَحَالَة – سَنَصِل في مَوْعِدٍ قَرِيبٍ .. وَفَاءً لِرِسَالَة الشُّهَدَاء الَّذين نَتَرَحَّمُ على أرْوَاحِهِم الزَّكِيَّة .. وَنَتَوَجَّهُ إلَى رِفَاقِهِم مِنَ الأَخَوَات المُجَاهِدَات وَالإِخْوَة المُجَاهِدِين في هَذِه المُنَاسَبَة بِالتَّحِيَّة وَالتَّقْدِير.

” تَحيَا الجَزائِر ”

المَجْد وَالخُلُودُ لِشُهَدَائِنَا الأبرَار

وَالسّلامُ عَلَيْكُم ورَحْمَةُ اللهِ تَعَالى وَبَرَكاتُه.


رسالة الرئيس تبون في ذكرى الـ65 لمظاهرات 11 ديسمبر 1960 جاءت في توقيت يربط بين الماضي الثوري المشرّف والحاضر الذي يتطلب يقظة ومواصلة العمل. وفي ظل التحولات والمخاطر المحتملة، يبدو أن الرسالة تؤكد أن القوة الوطنية الحقيقية تكمن في الوحدة والتلاحم واستثمار الإرث الثوري لدفع البلاد نحو التنمية والازدهار.

إرسال تعليق

أحدث أقدم