تصاعد السياسات الأمنية ضد المسلمين في فرنسا: بين الأمن ومحاولة ضبط الهوية الوطنية
منذ عدة سنوات، تتجه السياسات الفرنسية بشكل متزايد نحو تشديد الرقابة على المؤسسات الإسلامية، في إطار ما تسميه الحكومة "مكافحة الإسلام المتطرف". وقد تصاعد هذا النهج بشكل ملحوظ في عهد وزير الداخلية جيرالد درمانان، الذي برز كأحد أكثر الشخصيات تشددًا في هذا الملف. تأتي هذه السياسات في سياق أوسع من الجدل الداخلي حول الهوية الفرنسية، وارتباطها بالإسلام، والهجرة، والعلمانية، خاصة في ظل تصاعد اليمين المتطرف وتزايد الضغوط الشعبية بعد سلسلة من الهجمات الإرهابية.
وفي هذا الإطار، شكّل مقتل المعلم صامويل باتي في أكتوبر/تشرين الأول 2020 نقطة تحول مفصلية دفعت بالحكومة الفرنسية إلى اتخاذ إجراءات صارمة، طالت مؤسسات دينية وشخصيات من الجالية المسلمة، في محاولة للظهور بموقف حازم تجاه "التهديدات الداخلية".
إجراءات صارمة بعد مقتل المعلم صامويل باتي
في أعقاب حادثة مقتل المعلم الفرنسي صامويل باتي، أصدر وزير الداخلية جيرالد درمانان قرارات حاسمة، شملت:
-
إغلاق مسجد بانتين في باريس.
-
إقالة إمامين من مساجد في جنيف فيلييه وسان شاموند، بتهمة إلقاء خطب "تحريضية".
-
إلغاء نظام استقدام الأئمة الأجانب، وخاصة من تركيا والجزائر والمغرب، ما أثر على حوالي 300 إمام كانوا يعملون في فرنسا بصفة قانونية.
وفي سبتمبر/أيلول 2021، أعلن عن:
-
إغلاق 6 مساجد.
-
حل جمعيتين هما:
-
دار النشر الإسلامية نوى
-
رابطة الدفاع السوداء الأفريقية
متهمًا إياهما بالترويج لما يُسمى بـ"الإسلام المتطرف".
-
لاحقًا، وفي أبريل/نيسان 2023، أمر بفتح تحقيقات موسعة بشأن حملات التحريض من قبل اليمين المتطرف ضد المسلمين على منصات مثل "تلغرام"، وأصدر تعليمات بإغلاق كافة مجموعات هذا التيار على المنصة، مع إحالة المتورطين إلى القضاء.
الخلفية العائلية لدرمانان: بين مالطا والأوراس
تنحدر أصول درمانان من خلفية متعددة الجذور؛ فمن جهة والده، تعود أصوله إلى جزيرة مالطا، وكان والده يعمل في قطاع المناجم. أما من جهة والدته، فتعود جذورها إلى منطقة الأوراس الجزائرية، وهي ابنة موسى واكيد، أحد "الحركى" الذين انضموا إلى الجيش الفرنسي في سن مبكرة.
ويُشار إلى أن مصطلح "الحْركي" يُستخدم في الجزائر للإشارة إلى من تعاونوا مع الاستعمار الفرنسي خلال حرب الاستقلال، أو قاتلوا في صفوف الجيش الفرنسي، ويُنظر إليهم بشكل عام بوصفهم "خونة" في الذاكرة الجماعية الجزائرية.